المعلم التربوي- التربوي المعلم
بقلم الباحث المؤرخ
جاسم محمد صالح
يشكل الجهد التربوي ,واحدً من أهم المفاصل في عملية التعلم، وتقع على كاهله من الأعباء لكي يؤدي المهام المطلوبة منه، وغير خافٍ على أحد أن هناك تداخلاً كبيراً بين التعلم والتربية، تداخلاً لا نستطيع أن نفصله، فطوراً يكون التعلم مدخلاً لبناء القيم والمفاهيم التربوية التي نطمح لغرسها في نفوس أبنائنا الطلاب، وطوراً تكون التربية باباً واسعاً نلجه لكي نوصل إلى أذهان طلابنا الأعزاء جوانب العلم والمعرفة، فالتعليم والتربية شيئان متداخلان، وأحدهما يكمل الآخر.
غايتنا من التعليم
لو يسألني أحد عن أخطر المهن وأشدها حساسية، لقلت له على الفور إنها مهنة التعليم، لان المعلم منذ أزمنة قديمة كان يصوغ الإنسان ويبنيه فكرياً وعلمياً وتربوياً وكان بعمله هذا يترك بصماته واضحة على شخصية المتعلم ويساهم أيضاً في تفعيل الأحداث وصولاً للنتائج المتوخاة ، فالغاية الحقيقية في أنظمة التربية الحديثة ليست تعليم أطفالنا الحروف والكلمات وغير ذلك من الاحتياجات، وإنما هناك غاية كبيرة جداً من وراء التعليم نسعى جميعاً إليها... ألا وهي وضع اللبنات الأول والمرتكزات الثابتة في بناء شخصية الكائن الذي نسميه طفلاً، وصولاً إلى جعله في المستقبل عنصراً فاعلاً ومبدعاً وخلاقاً في مجمل العملية الإنسانية وبكل تفاعلاتها التي نطمح للوصول إليها.
لنتجنب السلوكيات الخاطئة
المعلم هو حجر الأساس في البناء التربوي، وقبل أن يكون معلماً عليه أن يكون مربياً، مع التحلي حقيقة بصفات المربي قولاً وفعلاً… نظرةً وتطبيقاً حتى يتمكن من أن يوصل المعلومة بكل سهولة إلى قلوب أبنائه الطلاب ويتمكن في الوقت نفسه من أن يكتب على تلك الصفحات النقية كل ما يريد من أمور خيرة، ويتمكن أيضاً من أن يعلي ذلك البنيان بالقدر الذي يريد... وإن عمله هذا يشكل الأساس المهم في بناء شخصيته وتقويم سلوكه حاضراً ومستقبلاً، والخطر كل الخطر يكمن في أن أي سلوك خاطئ أو أي توجه غير مقبول.. حينما يغرس في كيان الطفل في سنواته الأول فإنه من الصعب جداً أن يصحح أو يعدل مساره بعد ذلك .
لقد أثبتت التجارب التربوية أن ما يتعلمه الطفل في تلك السنوات يشكل شخصيته ويصبح من المسلمات البدهية في بنائه العقلي والسلوكي، لهذا كله أدعو لأن يكون المعلم تربوياً قبل أن يكون تعليمياً، فالمفاهيم التعليمية هي تعاملات قابلة للتغيير والإضافات وربما للتصحيح والطعن في المصداقية، وللطفل قدرة على تقبل هذه المتغيرات من خلال المسارات التربوية الآنفة الذكر.
اللحظة الذهبية في التعلم
التربية والتعليم وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يؤديان إلى حقيقة واحدة... أو لنقل هما بالنسبة لليوم كالليل والنهار يتعقبان منذ الأزل ، إن التكامل في العمل التربوي هو الذي يخلق النتيجة ويرصن مضمونها ويحقق الغاية المتوخاة منها.
إذا قدمنا - نحن التربويين - أنفسنا إلى أبنائنا الصغار كمربين فقط وتوقفنا، فان الطفل يطالبنا على الفور بعدة تساؤلات يعلن عنها صمته وهدوؤه المفرط :
- وماذا بعد ذلك يا أستاذ؟..
انه يريد أن يقول لنا:
-ثم ماذا؟
وكأنه يريد أن يقول لمربيه :
-الآن حصحص الحق فقدم لنا ما عندك من معلومات... لنكمل معاً المسيرة.
هنا يستطيع المعلم أن ينفذ إلى دخائلهم محملاً بكنوز هائلة من المعلومات… فهذه اللحظة هي اللحظة الذهبية في التعلم وهي التي توجد ذلك التواصل المهم والضروري لإنجاح أي مشروع تربوي نطمح كلنا إلى إنجاحه.
إن أي خطأ أو تقصير أو لا مبالاة في هذا المجال يلحق الضرر الكبير ليس في التوجه التعليمي الذي نسعى لترصينه وترسيخه فحسب وإنما حتى في أسس العملية التربوية التي سبق الوصول إليها.
التعامل الذكي
تشكل الحاجة إلى التعلم شيئاً ضرورياً في بناء الطفل وتكوينه، وربما لا يفلح الطفل في أحيان كثيرة في التعبير عن تلك الحاجة بشكل واضح وصريح وإنما يلجأ إلى طرق أخرى مباشرة وغير مباشرة للتعبير عنها ، هنا يأتي دور المعلم الذكي لاقتناص تلك الفرصة واستثمار تلك الحاجة لتطوير عقلية الطفل وتلبية ما فيها من احتياجات آنية أولاً... ومستقبلية ثانياً ، وعلينا أن نفهم أن الخلق والإبداع في كل شيء شيئان يمكن الحصول عليهما بالجهد والمثابرة والتجربة والتواصل.
إن التعامل الذكي مع الطفل يقربنا كثيراً من تفجير تلك اللحظة في الوقت المناسب ومن ثم استمرارية التعليم بالشكل الذي نريد.
التعليم الضرورة
لا تكفي الحاجة للعلم لأن نتعلم، وإنما علينا أن نجعل منه ضرورة من الضرورات التي لا غنى عنها، فعلى المعلم أن يمتلك مع طلابه فلسفة تعليمية مبنية على فكرة الوصول إلى النتائج بشكل عقلاني واضح، والكل يعلم أننا في الشتاء نحتاج إلى الملابس السميكة لنتقي بها البرد، وحاجتنا إلى الحذاء لحماية أرجلنا أثناء المسير، والنظارات الداكنة تحمي عيوننا من وهج شمس الصيف، والحقيبة التي نحملها تحمي كتبنا ولوازمنا من الضياع والتبعثر و هنا تظهر حاجتنا للتعلم لبناء شخصيتنا وتقويتها لكي نفهم الحياة بشكل أفضل و لنكون في مجتمعنا أعضاء نافعين… هذا المدخل البين يقربنا أكثر وأكثر من النجاح في عملنا، ويجعل الآخرين سريعي التقبل والاستيعاب.
لحظة الإبداع
إن تفجير الطاقات التعليمية حالة لا بد منها، وعلينا أن لا نكتفي بالحاجة إلى العلم لنتعلم ونواصل المسيرة ، فالحاجة ربما في بعض الأحيان تنفذ لتأثرها المباشر بالأفق العقلي للطفل، لننتهز الفرصة وننظر في عيون المبدعين من أطفالنا الذين نتوسم فيهم ذكاءً خارقاً وقدرة غير طبيعية على التقبل وتفجير لحظة الإبداع العقلي فيهم ومتابعتها وتنميتها، فتفجير القدرات سيولد حالة جديدة مرتبطة به ألا وهي التحفيز غير المباشر للقدرات والقابليات الأخرى التي ستكون على الأرجح كامنة، وبحاجة إلى من يكتشفها ويزيل عنها الحجب ويشكل هذا الفعل أيضاً اختباراً لقدراتنا وقابليتنا وفهماً جديدا لأنفسنا.
الخطوة التي لا بدَّ منها
لنمتلك الصورة، ولنكن حاضرين في كل أجزائها، فالبحر هو مجموعة قطرات لا حصر لها، والرمال مجموعة من ذرات لا أول لها ولا آخر، ومشروعنا التربوي التعليمي هو كذلك أيضاً مثل الصورة التي تتكون أصلاً من مجموعة نقاط تشكل في النهاية رموزاً نفهمها، والنقطة لوحدها شيء مبهم ولا تمتلك مدلولاً واضحاً إلا مع غيرها، وكذا الحال في التربية والتعليم حيث يقتضي التواصل والاتحاد والاندماج بين كثير من الأمور لكي تتوضح الصورة التي نريدها لمجتمع تربوي متعلم قائم على تعميق الروح الإنسانية وزرع المثل التي تقوي المجتمع وترصنه , وبذا نكون قد مشينا الخطوة الأولى في مسيرة هذا العالم المتسارع وضمنا لأنفسنا وجوداً راسخاً ومتيناً ، وفي نفس الوقت حافظنا على أنفسنا من الضياع وضمنا لنا ولأجيالنا القادمة الديمومة والبقاء، وقد جاء في الأمثال : مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة... إذاً لا بدَّ لنا أن نخطو هذه الخطوة.
بقلم الباحث المؤرخ
جاسم محمد صالح
يشكل الجهد التربوي ,واحدً من أهم المفاصل في عملية التعلم، وتقع على كاهله من الأعباء لكي يؤدي المهام المطلوبة منه، وغير خافٍ على أحد أن هناك تداخلاً كبيراً بين التعلم والتربية، تداخلاً لا نستطيع أن نفصله، فطوراً يكون التعلم مدخلاً لبناء القيم والمفاهيم التربوية التي نطمح لغرسها في نفوس أبنائنا الطلاب، وطوراً تكون التربية باباً واسعاً نلجه لكي نوصل إلى أذهان طلابنا الأعزاء جوانب العلم والمعرفة، فالتعليم والتربية شيئان متداخلان، وأحدهما يكمل الآخر.
غايتنا من التعليم
لو يسألني أحد عن أخطر المهن وأشدها حساسية، لقلت له على الفور إنها مهنة التعليم، لان المعلم منذ أزمنة قديمة كان يصوغ الإنسان ويبنيه فكرياً وعلمياً وتربوياً وكان بعمله هذا يترك بصماته واضحة على شخصية المتعلم ويساهم أيضاً في تفعيل الأحداث وصولاً للنتائج المتوخاة ، فالغاية الحقيقية في أنظمة التربية الحديثة ليست تعليم أطفالنا الحروف والكلمات وغير ذلك من الاحتياجات، وإنما هناك غاية كبيرة جداً من وراء التعليم نسعى جميعاً إليها... ألا وهي وضع اللبنات الأول والمرتكزات الثابتة في بناء شخصية الكائن الذي نسميه طفلاً، وصولاً إلى جعله في المستقبل عنصراً فاعلاً ومبدعاً وخلاقاً في مجمل العملية الإنسانية وبكل تفاعلاتها التي نطمح للوصول إليها.
لنتجنب السلوكيات الخاطئة
المعلم هو حجر الأساس في البناء التربوي، وقبل أن يكون معلماً عليه أن يكون مربياً، مع التحلي حقيقة بصفات المربي قولاً وفعلاً… نظرةً وتطبيقاً حتى يتمكن من أن يوصل المعلومة بكل سهولة إلى قلوب أبنائه الطلاب ويتمكن في الوقت نفسه من أن يكتب على تلك الصفحات النقية كل ما يريد من أمور خيرة، ويتمكن أيضاً من أن يعلي ذلك البنيان بالقدر الذي يريد... وإن عمله هذا يشكل الأساس المهم في بناء شخصيته وتقويم سلوكه حاضراً ومستقبلاً، والخطر كل الخطر يكمن في أن أي سلوك خاطئ أو أي توجه غير مقبول.. حينما يغرس في كيان الطفل في سنواته الأول فإنه من الصعب جداً أن يصحح أو يعدل مساره بعد ذلك .
لقد أثبتت التجارب التربوية أن ما يتعلمه الطفل في تلك السنوات يشكل شخصيته ويصبح من المسلمات البدهية في بنائه العقلي والسلوكي، لهذا كله أدعو لأن يكون المعلم تربوياً قبل أن يكون تعليمياً، فالمفاهيم التعليمية هي تعاملات قابلة للتغيير والإضافات وربما للتصحيح والطعن في المصداقية، وللطفل قدرة على تقبل هذه المتغيرات من خلال المسارات التربوية الآنفة الذكر.
اللحظة الذهبية في التعلم
التربية والتعليم وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يؤديان إلى حقيقة واحدة... أو لنقل هما بالنسبة لليوم كالليل والنهار يتعقبان منذ الأزل ، إن التكامل في العمل التربوي هو الذي يخلق النتيجة ويرصن مضمونها ويحقق الغاية المتوخاة منها.
إذا قدمنا - نحن التربويين - أنفسنا إلى أبنائنا الصغار كمربين فقط وتوقفنا، فان الطفل يطالبنا على الفور بعدة تساؤلات يعلن عنها صمته وهدوؤه المفرط :
- وماذا بعد ذلك يا أستاذ؟..
انه يريد أن يقول لنا:
-ثم ماذا؟
وكأنه يريد أن يقول لمربيه :
-الآن حصحص الحق فقدم لنا ما عندك من معلومات... لنكمل معاً المسيرة.
هنا يستطيع المعلم أن ينفذ إلى دخائلهم محملاً بكنوز هائلة من المعلومات… فهذه اللحظة هي اللحظة الذهبية في التعلم وهي التي توجد ذلك التواصل المهم والضروري لإنجاح أي مشروع تربوي نطمح كلنا إلى إنجاحه.
إن أي خطأ أو تقصير أو لا مبالاة في هذا المجال يلحق الضرر الكبير ليس في التوجه التعليمي الذي نسعى لترصينه وترسيخه فحسب وإنما حتى في أسس العملية التربوية التي سبق الوصول إليها.
التعامل الذكي
تشكل الحاجة إلى التعلم شيئاً ضرورياً في بناء الطفل وتكوينه، وربما لا يفلح الطفل في أحيان كثيرة في التعبير عن تلك الحاجة بشكل واضح وصريح وإنما يلجأ إلى طرق أخرى مباشرة وغير مباشرة للتعبير عنها ، هنا يأتي دور المعلم الذكي لاقتناص تلك الفرصة واستثمار تلك الحاجة لتطوير عقلية الطفل وتلبية ما فيها من احتياجات آنية أولاً... ومستقبلية ثانياً ، وعلينا أن نفهم أن الخلق والإبداع في كل شيء شيئان يمكن الحصول عليهما بالجهد والمثابرة والتجربة والتواصل.
إن التعامل الذكي مع الطفل يقربنا كثيراً من تفجير تلك اللحظة في الوقت المناسب ومن ثم استمرارية التعليم بالشكل الذي نريد.
التعليم الضرورة
لا تكفي الحاجة للعلم لأن نتعلم، وإنما علينا أن نجعل منه ضرورة من الضرورات التي لا غنى عنها، فعلى المعلم أن يمتلك مع طلابه فلسفة تعليمية مبنية على فكرة الوصول إلى النتائج بشكل عقلاني واضح، والكل يعلم أننا في الشتاء نحتاج إلى الملابس السميكة لنتقي بها البرد، وحاجتنا إلى الحذاء لحماية أرجلنا أثناء المسير، والنظارات الداكنة تحمي عيوننا من وهج شمس الصيف، والحقيبة التي نحملها تحمي كتبنا ولوازمنا من الضياع والتبعثر و هنا تظهر حاجتنا للتعلم لبناء شخصيتنا وتقويتها لكي نفهم الحياة بشكل أفضل و لنكون في مجتمعنا أعضاء نافعين… هذا المدخل البين يقربنا أكثر وأكثر من النجاح في عملنا، ويجعل الآخرين سريعي التقبل والاستيعاب.
لحظة الإبداع
إن تفجير الطاقات التعليمية حالة لا بد منها، وعلينا أن لا نكتفي بالحاجة إلى العلم لنتعلم ونواصل المسيرة ، فالحاجة ربما في بعض الأحيان تنفذ لتأثرها المباشر بالأفق العقلي للطفل، لننتهز الفرصة وننظر في عيون المبدعين من أطفالنا الذين نتوسم فيهم ذكاءً خارقاً وقدرة غير طبيعية على التقبل وتفجير لحظة الإبداع العقلي فيهم ومتابعتها وتنميتها، فتفجير القدرات سيولد حالة جديدة مرتبطة به ألا وهي التحفيز غير المباشر للقدرات والقابليات الأخرى التي ستكون على الأرجح كامنة، وبحاجة إلى من يكتشفها ويزيل عنها الحجب ويشكل هذا الفعل أيضاً اختباراً لقدراتنا وقابليتنا وفهماً جديدا لأنفسنا.
الخطوة التي لا بدَّ منها
لنمتلك الصورة، ولنكن حاضرين في كل أجزائها، فالبحر هو مجموعة قطرات لا حصر لها، والرمال مجموعة من ذرات لا أول لها ولا آخر، ومشروعنا التربوي التعليمي هو كذلك أيضاً مثل الصورة التي تتكون أصلاً من مجموعة نقاط تشكل في النهاية رموزاً نفهمها، والنقطة لوحدها شيء مبهم ولا تمتلك مدلولاً واضحاً إلا مع غيرها، وكذا الحال في التربية والتعليم حيث يقتضي التواصل والاتحاد والاندماج بين كثير من الأمور لكي تتوضح الصورة التي نريدها لمجتمع تربوي متعلم قائم على تعميق الروح الإنسانية وزرع المثل التي تقوي المجتمع وترصنه , وبذا نكون قد مشينا الخطوة الأولى في مسيرة هذا العالم المتسارع وضمنا لأنفسنا وجوداً راسخاً ومتيناً ، وفي نفس الوقت حافظنا على أنفسنا من الضياع وضمنا لنا ولأجيالنا القادمة الديمومة والبقاء، وقد جاء في الأمثال : مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة... إذاً لا بدَّ لنا أن نخطو هذه الخطوة.